“فتاة البشعة”… بين ألم العُرف وضوضاء السوشيال ميديا”

د. محمود كمال
لم تكن «بوسي محمد» تتخيل يومًا أن تتحول لحظة ضعف إنساني إلى عاصفة حديث عام، تتجاوز حدود الإسماعيلية لتصبح «قصة قومية» يتابعها الجميع. مشهد قصير، لكنه محمَّل بأسئلة كثيرة عن المجتمع، والجهل، والوصمة، وتطوّر السوشيال ميديا التي حولت كل حدث إلى منصة حكم جماعي.
انتشر فيديو “البشعة” بسرعة هائلة… البعض رآه صرخة استغاثة لفتاة وقعت تحت ضغط عائلي واجتماعي، والبعض الآخر اعتبره جزءًا من صراع الزوجين، بينما فريق ثالث اتهمه بأنه «تمثيل» أو محتوى مصطنع لجذب المشاهدات. لكن خلف كل هذه الضوضاء، كان هناك عنصر إنساني غائب: فتاة في العشرينات تواجه واحدة من أكثر العادات قسوة وإهانة لكرامة المرأة.
“البشعة” ليست مجرد مشهد تريند… إنها بقايا عادة بدائية تعتبر اللسان «ميزان صدق»، وتختبر الشرف بالنار. عادة لا تعترف بها شريعة، ولا يحميها قانون، لكنها ما زالت تظهر بين الحين والآخر في مناطق تعتبر العُرف أعلى من أي نص مكتوب.
ظهرت ردود الأفعال متباينة: الأزهر أدان، والإفتاء حذرت، والمجتمع انقسم بين تعاطف واستنكار وسهام اتهام. ومع كل هذا الجدل، خرجت “فتاة البشعة” نفسها لتوضح أنها لم تسعَ لتمثيل أو إثارة، وأن ما حدث كان جزءًا من صراع عائلي تطور ليصبح قضية رأي عام دون رغبتها.
القضية اليوم لم تعد عن “بوسي” فقط، بل عن كيف نترك تقاليد قديمة تتحكم في مصائر النساء؟ وكيف تُصبح الكاميرا شاهدًا بدلًا من أن يكون القانون والوعي هما الحكم؟
التريند ينتهي، لكن أثره يبقى. وقد يكون أهم ما يكشفه هذا الحدث هو احتياج المجتمع لحوار أعمق حول ثقافة التشهير، وضغط السوشيال ميديا، وحدود العرف، وحقوق المرأة التي لا ينبغي أن تُختبر بالنار ولا بالعيون ولا بكلام الناس.
ربما خرجت “فتاة البشعة” من عاصفتها، لكن المشهد يفرض على الجميع سؤالًا واضحًا:
متى ينتصر الوعي على الفضيحة؟ ومتى تتوقف قصص النساء عن أن تكون مادة ترفيهية في عالم لا يرحم؟



