منوعات

أغنية في بلادي ظلموني

أغنية في بلادي ظلموني

شبكة النايل الإخبارية: محمد الجامعي

في بلادي ظلموني… ها ها ها… أه أها. لا أعلم لماذا كلما استمعت إلى هذه الأغنية تدمع عيني بسرعة. تلك الأغنية التي أصدرتها ألتراس “إيغلز 06” سنة 2017 لدعم نادي الرجاء الرياضي المغربي، أصبحت بالنسبة لي أكثر من مجرد كلمات وألحان. كلما بدأت في سماعها، ينتابني شعور غريب بأن الحزن المتراكم بداخلي منذ سنوات يتسرب شيئًا فشيئًا، كأنها طقس تطهير داخلي. أصبحت مدمنًا عليها، وكلما انتهت أجدني أعود إليها بشوق، وكأنني لم أشبع من صوتها بعد.

هي ليست مجرد أغنية؛ أحيانًا تفتح جروحًا قديمة كادت أن تصبح ذكرى، وأحيانًا أخرى تساعدني على التخلص من الماضي الأليم، لتمنحني إحساسًا بجسد جديد ونفسٍ طاهرة. كأنها نافذة مفتوحة في صباح مشمس يدخل منها هواء نقي، يجدد الحياة بداخلي.

فهمت اليوم لماذا كانت أمي تُفضل البكاء على أصوات الجنائز بدلاً من أعراس الفرح. حينما كان الحزن يثقل قلبها، كانت تبحث عن جنازة قريبة، تدخل المنزل وتبكي حتى ترتاح. كانت تعود إلينا بعينين حمراوين وخدين ملطخين بالدموع، كما تجرح السكين ليمونة. وحينما كنا نلومها، كانت ترد دائمًا: “ليتكم ترون ما في قلبي كي تفهموا! دعوني وشأني، فالبكاء هو وصفتُ شِفائي.”

أدركت مع الوقت أن الدموع هي الصديق الحقيقي الوحيد الذي يرافقنا في أشد لحظات الحزن. نبكي لنطفئ نار الأحزان التي تشتعل داخلنا، لنهدّئ لهيب الحسرة، ولنتخلص من آهات تمزق قلوبنا. أحيانًا، لا نجد من يشاركنا هذه اللحظات سوى دموعنا.

أتذكر قصة الفيلسوف سقراط عندما حُكم عليه بالإعدام بسبب أفكاره التي سبقت عصره. عُرض عليه الهروب، لكنه رفض وقال: “لماذا أتمسك بحياة لن أعيشها إلى الأبد؟”. وقبل أن يتجرع السم، نطق عبارته الخالدة: “ويلٌ لمن سبق عقله زمانه.” وعندما بكت زوجته قائلة: “ويلي، أتعدمونه ظلمًا؟” أجابها بكل بساطة: “أتريدين أن يُعدموني عدلًا؟”

كثيرًا ما شعرت بالظلم، وبكيت بصمت حتى امتلأ صدري بصراخ مكبوت. عشت أوقاتًا صعبة مليئة بالآلام النفسية والجسدية، تحملت المعاناة، والفقر، والضغط، والقلق. واجهت كل ذلك بالكفاح والإصرار. كانت هناك حرب مفتوحة ضدي، حيث تحالف الجميع ضدي بلا هوادة، وكنت أقاوم وحدي.

اضطررت إلى مغادرة وطني على مضض، وقضيت خمسة عشر عامًا في الغربة دون عودة. وعندما عدت، شعرت كأني الهدهد العائد من سبأ، فلا بلقيس تعرفني، ولا أحد يصدق نبوئي. بحثت عن وطن في سماء الله، لكن وجوه الناس تغيرت، ورغم ذلك بقيت نفس النفوس المتسمة بالجحود والنكران.

تغيرت الملامح، لكن الخيانة ظلت كما هي، حاضرة في كل مكان، كأنها إرثٌ لا يندثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار